في مدينة عدن، التي كانت يومًا ما تُعرف بـ"المدينة الحالمة"، تعيش النساء اليوم تحت وطأة ضغوط معيشية وإنسانية غير مسبوقة. تتشابك الأزمات في حياة المرأة العدنية: انقطاع المرتبات، انهيار الخدمات الأساسية، تفشي الأوبئة، وارتفاع جنوني في أسعار السلع. لكن رغم كل ذلك، تخرج نساء عدن من رحم المعاناة بأدوار بطولية، يقفن في وجه الألم، ويقدن أسرهن في زمن فقد فيه الكثيرون الأمل.
انقطاع المرتبات... عبء اقتصادي على كاهل المرأة
أصبح انقطاع رواتب الموظفين الحكوميين والعسكريين في عدن أحد أبرز معالم الأزمة الاقتصادية، مما زاد من الأعباء على كاهل النساء، وخاصة من فقدن أزواجهن أو يعشن مع معاقين أو مرضى أو كبار سن. كثير من النساء اضطررن للخروج إلى سوق العمل في مهن شاقة أو غير معتادة – كالبيع في الأرصفة، أو العمل في التنظيف، أو خياطة الملابس من المنزل – فقط لتوفير لقمة العيش لأسرهن.
ارتفاع الأسعار وانهيار القدرة الشرائية
الأسعار في عدن تزداد بشكل شبه يومي، متأثرة بانهيار العملة المحلية وغياب الرقابة. المرأة العدنية تواجه تحديات هائلة في توفير احتياجات الأسرة، حتى أبسط الضروريات من غذاء ودواء. هذا الواقع دفع كثيرًا من النساء إلى تبني ثقافة "التقشف الإجباري"، حيث باتت بعض الأسر تعيش على وجبة واحدة يوميًا.
الخدمات المفقودة... من انقطاع الكهرباء إلى انهيار الصحة
النساء يتحملن العبء الأكبر في التعامل مع آثار انقطاع الكهرباء والمياه، خاصة في ظل حرارة عدن المرتفعة. ومع تفشي الأوبئة مثل حمى الضنك والكوليرا والتهابات الجهاز التنفسي، تصبح الأم أو الزوجة هي الممرضة، والحامية، والمعيلة في آن واحد. المستشفيات غالبًا بلا أدوية، والكهرباء لا تأتي إلا لساعات قليلة، والمياه إما مقطوعة أو غير صالحة للشرب.
دور المرأة في الحراك الشعبي والدفاع عن الكرامة
في مشهد غير مألوف في المجتمعات المحافظة، برزت المرأة العدنية في الصفوف الأمامية للاحتجاجات الشعبية. لم تخرج فقط مطالبة بحقوقها، بل مدافعة عن حق أسرتها في الحياة الكريمة. نساء عدن يهتفن ضد الظلم، ويكسرن حاجز الصمت والخوف، رافعات شعارات الحياة الكريمة والعدالة والراتب والغذاء والدواء.
رغم الجراح التي تعمقها الأزمات اليومية، تظل المرأة في عدن أيقونة صبر وقوة، تحمل الوطن في قلبها وأطفالها في يديها، وتقاوم بعزيمتها ما عجزت عنه المؤسسات. إن دعم المرأة العدنية اليوم ليس فقط إنسانيًا، بل واجبًا وطنيًا وأخلاقيًا، فبصمودها... تظل عدن على قيد الحياة.