الاثنين 08 سبتمبر 2025 - 10:41 PM بتوقيت عدن

غياب الرقابة الأبوية في وسائل التواصل: خطر صامت يهدد أبناءنا

في زمن أصبحت فيه الهواتف الذكية جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية، وأمست وسائل التواصل الاجتماعي النافذة الأوسع التي يطل منها الأبناء على العالم، تزداد الحاجة إلى رقابة أبوية واعية وفاعلة. غير أن الواقع يكشف عن غياب مقلق لتلك الرقابة، الأمر الذي يثير تساؤلات جدية حول مدى إدراك الأهل للمخاطر التي يتعرض لها أبناؤهم في هذا الفضاء الرقمي المفتوح على مصراعيه.

لقد أتاح الانفتاح الرقمي للأطفال والمراهقين الوصول إلى كمٍّ هائل من المحتوى، يتفاوت بين النافع والضار، والمفيد والمفسد. ومع غياب التوجيه الأسري، يجد الأبناء أنفسهم في مواجهة مباشرة مع صور وأفكار وسلوكيات قد تتعارض مع القيم التربوية والاجتماعية التي يُفترض أن تُغرس في البيت والمدرسة. ويتضاعف الخطر عندما يتحول هذا الانفتاح إلى استخدام مفرط أو غير منضبط، يؤثر سلبًا في نفسية الأبناء وتكوينهم السلوكي.

تشير دراسات حديثة إلى ارتفاع نسب القلق والاكتئاب والعزلة الاجتماعية لدى المراهقين، نتيجة الاستخدام المفرط لوسائل التواصل، إلى جانب تزايد حالات التنمر الإلكتروني والإدمان الرقمي، بل وحتى تعرض البعض للابتزاز أو الانخراط في تحديات خطيرة، دون علم الأهل أو قدرتهم على التدخل. وتكمن المأساة في أن كثيرًا من الأهل لا يكتشفون حجم الخطر إلا بعد فوات الأوان، لتُختتم القصة المؤلمة بجملة مألوفة: "لم نكن نعلم ماذا كان يفعل على هاتفه".

إن الرقابة الأبوية لا تعني بالضرورة التقييد أو المنع التام، بل تتمثل في الحضور الواعي، والاهتمام، والقدرة على فتح حوار هادئ مع الأبناء، يفهمون من خلاله ما يدور حولهم، ويثقون في أن هناك من يستمع إليهم ويرشدهم. فالأبناء لا يحتاجون إلى من يراقبهم بصرامة، بقدر ما يحتاجون إلى من يصغي إليهم ويُشعرهم بالأمان، ويوجههم إلى الصواب.

وإذا كانت بعض الأسر تبرر غيابها الرقابي بضعف المعرفة التقنية، فإن هذا لم يعد عذرًا مقبولًا. فكما يسعى الأب لتأمين غذاء جسد أبنائه، عليه أن يسعى لتأمين غذاء عقولهم ونفوسهم في هذا العالم المتغير. ويمكن تحقيق ذلك عبر خطوات بسيطة تبدأ بالتثقيف الرقمي، وتحديد أوقات الاستخدام، ومتابعة التطبيقات والمحتوى، وزرع الثقة والرقابة الذاتية في الأبناء.

إن وسائل التواصل ليست شرًّا مطلقًا، لكنها تصبح خطرًا إذا تُركت بلا توجيه. وفي ظل هذا التوسع الرقمي المتسارع، أصبحت الرقابة الأبوية ضرورة تربوية لا غنى عنها، تتكامل فيها جهود الأسرة مع المدرسة والمجتمع لحماية الجيل الجديد من الانزلاق في متاهات لا تحمد عقباها. فليكن حضورنا الرقابي في حياة أبنائنا هو جسر الأمان الذي يعبرون عليه إلى مستقبل ناضج وآمن.

مشاركة المقال